قرأت بيت من الشعر الجميل في المنتديات قبل فترة ونال إعجابي، وقد تبين لي فيما بعد أنه يتداول كثيراً بين بعض الناس من باب الطرافة لصعوبة تركيبته، فأثار فضولي للبحث عنه أكثر، فوجدت اكثر من جهة روت احداثه، وبروايات مختلفة، البيت هو: {وقَبرُ حَربٍ بمكانٍ قَفرٍ * ولَيسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ}

فأرشدني(قوقل) عفا الله عنه لكتاب (التعريف بالإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام) لمؤلفه العالِم الجليل المتوفى سنة 581هـ ” عبدالرحمن السهيلي – رحمه الله تعالى – فروى فيه أن أمية بن أبي الصلت خرج في عِيرٍ مع قريش مسافرين، وفي إحدى الليالي أثناء مبيتهم مرت بهم حية، فقتلها حرب بن أميّة ، ولم يعلم أنّ قتلها سيكون وبالاً عليهم، وستكون تلك الليلة من أسوأ الليالي رغم ما بهم من تعب السفر، فاعترضت لهم جنية تطلب بثأرها، وقالت: قتلتم فلانة، ثم ضربت الأرض بقضيب فنفرت الإبل فلم يقدروا عليها إلا بعد عناء شديد.

فلما جمعوها جاءتهم الجنيّة للمرة الثانية فضربت الأرض فنفرت الإبل ولم يجمعوها إلا بعد تعب شديد، وجاءتهم الجنيّة للمرة الثالثة وضربت الأرض، فنفرت الإبل وأعادوها عند حلول منتصف الليل بعد أن كادوا أن يهلكوا عطشاً وعناءً، وهم في صحراء خالية من مقوّمات الحياة، فقالوا لأمية بن أبي الصلت هل من حيلة لديك لما نحن فيه؟ قال: لعلّها، ثم ذهب حتى جاوز كثبان رملية فرأى ضوء على بُعْد فاتبعه فوجد شيخاً في خباء فشكا إليه ما نزل به ورفاقه، وكان الشيخ جنياً، فقال: اذهب فإذا جاءتكم فقل: بسمك اللهم، سبعاً.

ولما عادت إليهم الجنية قالوا: ما أوصاهم به الشيخ، فقالت الجنية تباً لكم من علّمكم؟ فذهبت وتركتهم دون أذيّة، وقيل أنّ ” أميّة بن أبي الصلت هو أول من كتب ” بسمك اللهم ” وتعلمت منه قريش هذا اللفظ في زمن الجاهلية، وقيل أنه مصحوباً تبدو له الجنّ، وقيل أنّ حرب بن أميّة قتلته الجنّ لاحقاً ثأراً لجنيّتهم، وقيل أنّ قتله كان في نفس سفر القافلة المشئوم، ويُقال أن هذا البيت من شعر الجنّ قالوه في أميّة بن حرب لمّا قتلوه ثأراً للجنيّة. والله اعلم.

فحمدت الله كثيراً أنني لم أكن بزمانهم، ولو كنت ضمن تلك القافلة سيئة الحظ، لَنَفرْتُ قبل الإبل، ولضاعت جهودهم في إعادتي قبل الإبل، لأني أقشعرّ من ذكر الجنّ فكيف أن أراه على طبيعته التي تصوّر بها!